السبت، 10 سبتمبر 2016

معنى زنديق

الْجَوْهَرِي (الصحاح) : "الزنديق من الثنوية وَهُوَ مُعرب وَالْجمع الزَنادِقَةُ"

ابن منظور (لسان العرب) : "الزِّنْدِيقُ الْقَائِلُ بِبَقَاءِ الدَّهْرِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: زَنْدِ كِرَايْ، يَقُولُ بِدَوَامِ بَقَاءِ الدَّهْرِ. والزَّنْدَقةُ: الضِّيقُ، وَقِيلَ: الزِّنْدِيقُ مِنْهُ لأَنه ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ.

التَّهْذِيبِ: الزِّنْدِيقُ مَعْرُوفٌ، وزَنْدَقَتُه أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ ووَحْدانيّة الْخَالِقِ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: لَيْسَ زِنْدِيق وَلَا فَرْزِين مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ قَالَ؛ وَلَكِنَّ البَياذِقةُ هُمُ الرَّجَّالَةُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ زِنْدِيق، وَإِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ رَجُلٌ زَنْدَق وزَنْدَقِيّ إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْبُخْلِ، فَإِذَا أَرَادَتِ الْعَرَبُ مَعْنَى مَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ قَالُوا: مُلْحِد ودَهْرِيّ"

الغزالي (المنقذ من الضلال) 43 : الزنادقة هم الدهرية

الغزالي (فيصل التفرقة) 58 : "وهذه -مقالات الفلاسفة من إنكار حشر الأجساد والعقوبات الحسية الآخروية وأن الله لا يعلم إلا نفسه والكليات وتفهيم الرسول للخلق ظواهر النصوص لما في ذلك من صلاحهم وإن لم يكن كما قاله- أول درجات الزندقة، وهي ربتة بين الاعتزال وبين الزندقة المطلقة فإن المعتزلة يقرب منهاجهم من مناهج الفلاسفة إلا في هذا الأمر الواحد وهو أن المعتزلي لا يجوِّز الكذب على رسول الله بمثل هذا العذر بل يؤزل الظاهر مهما ظهر له بالبرهان خلافه، والفلسفي لا يقتصر على مجاوزته للظاهر على ما يقبل التأويل على قرب أو على بعد. أما الزندقة المطلقة فهو أن تنكر أصل المعاد عقليا وحسيا وتنكر الصالنع للعالم أصلا ورأسا"


أحمد أمين (ضحى الإسلام) معاني الزندقة هي :
- الفجور الذي يمس الدين
- اتباع دين المجوس (ماني) مع تظاهر بإسلام أو بدونه
- ملحدون لا دين لهم

حسين العوايشة (الموسوعة الفقهية) :
"الزنديق في عُرف هؤلاء الفقهاء هو المنافق الذي كان على عهد النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو أن يُظهر الإِسلام ويُبطن غيره، سواء أبطَن ديناً من الأديان كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان مُعطلاً جاحداً للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة.
ومن النّاس من يقول: "الزنديق هو الجاحد المعطل، وهذا يُسمّى الزنديق في اصطلاح كثيرٍ من أهل الكلام والعامّة، ونقَلَة مقالات الناس.
ولكنّ الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حُكمه: هو الأول.
... وإِذا اعترف بأنّ القرآن حق وما فيه من ذكر الجنة والنّار حق لكن المراد بالجنة الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة، والمراد بالنّار هي الندامة التي تحصل بسبب الملكات المذمومة، وليس في الخارج جنة ولا نار فهو الزنديق، فكلّ من أنكَر الشفاعة، أو أنكر رؤية الله يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر، وسؤال منكر ونكير، أو أنكر الصراط والحساب ... سواءٌ قال: لا أثق بهؤلاء الرواة أو قال: أثق بهم، لكن الحديث مؤول. ثمّ ذكر تأويلاً فاسداً لم يُسمَع ممن قبله؛ فهو الزنديق.
وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر مثلاً: ليسا من أهل الجنّة مع تواتر الحديث في بشارتهما، أو قال: إِن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاتم النبوة ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمى بعده أحد بالنّبيّ، وأما معنى النبوة وهو كون الإِنسان مبعوثاً من الله -تعالى- إِلى الخلق مفترض الطاعة، معصوماً من الذنوب ومن البقاء على الخطأ فيما يرى فهو موجود في الأئمة بعده فذلك هو الزنديق"

محمد صديق خان (الروضة الندية) : "الزنديق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ويعتقد بطلان الشرائع"

ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا (رسالة تحقيق لفظ زنديق) : "الزِّنْدِيقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَنْفِي الْبَارِيَ تَعَالَى، وَعَلَى مَنْ يُثْبِتُ الشَّرِيكَ، وَعَلَى مَنْ يُنْكِرُ حِكْمَتَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ زِنْدِيقًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مُنْتَقِلٍ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرْتَدُّ قَدْ لَا يَكُونُ زِنْدِيقًا كَمَا لَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقُ. وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ، فَالْفَرْقُ أَظْهَرُ لِاعْتِبَارِهِمْ فِيهِ إبْطَانَ الْكُفْرِ وَالِاعْتِرَافَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، لَكِنَّ الْقَيْدَ الثَّانِيَ فِي الزِّنْدِيقِ الْإِسْلَامِيِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي إبْطَانِ الْكُفْرِ أَنَّ الْمُنَافِقَ غَيْرُ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّهْرِيَّ كَذَلِكَ مَعَ إنْكَارِهِ إسْنَادَ الْحَوَادِثِ إلَى الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالْمُلْحِدُ: وَهُوَ مَنْ مَالَ عَنْ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ إلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ، مَنْ أَلْحَدَ فِي الدِّينِ: حَادَ وَعَدَلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِوُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَبِهَذَا فَارَقَ الدَّهْرِيَّ أَيْضًا، وَلَا إضْمَارَ الْكُفْرِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُنَافِقَ، وَلَا سَبَقَ الْإِسْلَامَ وَبِهِ فَارَقَ الْمُرْتَدَّ، فَالْمُلْحِدُ أَوْسَعُ فِرَقِ الْكُفْرِ حَدًّا: أَيْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكُلِّ" - مُلَخَّصًا
قُلْتُ -ابن عابدين (حاشيته)- : "لَكِنَّ الزِّنْدِيقَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَقَدْ يَكُونُ كَافِرًا مِنْ الْأَصْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِالنُّبُوَّةِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ تَفْسِيرُهُ بِمَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ"

قول مشهور عن أبي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ : إذَا رَأَيْتَ الرَّجُل يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ

الموسوعة الفقهية :
- يُطْلَقُ لَفْظُ الزِّنْدِيقِ عَلَى كُل مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الإْيمَانَ حَتَّى بَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُل عَلَى خَبِيئَةِ نَفْسِهِ
- عَرَّفَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ الزِّنْدِيقَ بِأَنَّهُ هُوَ مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الإْسْلاَمَ . وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبٌ مِنَ الْمُنَافِقِ . وَقِيل هُوَ مَنْ لاَ يَنْتَحِل دِينًا ، أَيْ لاَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ
- قَال الدُّسُوقِيُّ : وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الصَّدْرِ الأْوَّل مُنَافِقًا، وَيُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ زِنْدِيقًا. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ الزَّنْدَقَةُ : عَدَمُ التَّدَيُّنِ بِدِينٍ، أَوْ هِيَ الْقَوْل بِبَقَاءِ الدَّهْرِ وَاعْتِقَادُ أَنَّ الأْمْوَال وَالْحُرُمَ مُشْتَرَكَةٌ

الخوارزمي (مفاتيح العلوم) : "الزنادقة هم المانوية. وكانت المزدكية يسمون بذلك. ومزدك هو الذي ظهر في أيام قباد وكان موبذان موبذ أي قاضي القضاة للمجوس وزعم أن الأموال والحرم مشتركة وأظهر كتاباً سماه زند وزعم أن فيه تأويل الأبستا وهو كتاب المجوس الذي جاء به زرادشت الذي يزعمون أنه نبيهم فنسب أصحاب مزدك إلى زند فقيل: زندي وأعربت الكلمة فقيل للواحد: زنديق وللجماعة زنادقة"

الكفوي (الكليات) : "وَالْكَافِر اسْم لمن لَا إِيمَان لَهُ، فَإِن أظهر الْإِيمَان فَهُوَ الْمُنَافِق، وَإِن طَرَأَ كفره بعد الْإِيمَان فَهُوَ الْمُرْتَد، وَإِن قَالَ بإلهين أَو أَكثر فَهُوَ الْمُشرك، وَإِن كَانَ متدينا بِبَعْض الْأَدْيَان والكتب المنسوخة فَهُوَ الْكِتَابِيّ، وَإِن قَالَ بقدم الدَّهْر وَإسْنَاد الْحَوَادِث إِلَيْهِ فَهُوَ الدهري، وَإِن كَانَ لَا يثبت الْبَارِي فَهُوَ الْمُعَطل، وَإِن كَانَ مَعَ اعترافه بنبوة النَّبِي يبطن عقائد هِيَ كفر بالِاتِّفَاقِ فَهُوَ الزنديق"


ابن عابدين (حاشيته) : "وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ السَّاحِرَ أَوْ الزِّنْدِيقَ الدَّاعِيَ إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ وَيُقْتَلُ"
أقول : في قوله "الداعي" دلالة أن لفظة الزنديق لا تتضمن معنى الدعوة .. وكذا في العبارة الآتية دلالة
"قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالُوا لَوْ جَاءَ زِنْدِيقٌ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ"
أقول : فلو كانت الدعوة والمجاهرة لازمة للزندقة فكيف يورد الفقهاء هذه المسألة المشهورة (مجيء زنديق يعترف\يُفصح قبل أن تُعلم عنه الزندقة \ التلبس بها)

ابن كمال باشا (رسالة تحقيق لفظ زنديق) : "اعلم أنه لا يخلو، إما أن يكون معروفا داعيا إلى الضلال أو لا يكون. والثاني ما ذكره صاحب الهداية في التجنيس حيث قال (في فصل حكم الزنادقة نقلا عن عيون المسائل للفيه أبي الليث) : الزنادقة على ثلاثة أوجه: إما أن يكون زنديقا من الأصل على الشرك، أو يكون مسلما فيتزندق، أو يكون ذميا فيتزندق، ففي الوجه الأول يترك على شركه إن كان من العجم، لأنه كافر أصلي. وفي الوجه الثاني يعرض عليه الإسلام فإن أسلم فبها وإلا قتل لأنه مرتد. وفي الوجه الثالث يترك على حاله لأن الكفر ملة واحدة اهـ وإذا لم يكن داعيا إلى الضلال ساعيا في إفساد الدين معروفا به، والأول لا يخلو من أن يتوب بالاختيار ويرجع عما فيه قبل أن يؤخذ أو لا. والثاني يقتل دون الأول"

أقول : وفي كلامه تصريح بالقسمة (زنديق داعٍ وغير داعٍ)، وفيه إثبات ما سبق من قولنا أن الدعوة والسعي في الإفساد والإضلال خارجة عن حد الزنديق؛ حتى أن ابن كمال باشا صاغ استشكالاً على قسمة الزنديق الداعي :

"فإن قلت : كيف يكون الزنديق معروفا داعيا إلى الضلال وقد اعتبر في مفهومه الشرعي أن يبطن الكفر؟
قلت -ابن كمال باشا- : لا بعد فيه فإن الزنديق يموّه كفره ويروّج عقيدته الفاسدة ويخرجها في الصورة الصحيحة وهذا معنى إبطانه الكفر، فلا ينافي إظهاره الدعوة إلى الضلال وكونه معروفا بالإضلال"

أقول : فالإشكال متوجه على القسمة الداعية المجاهرة لا غير الداعي المفسد.

الخميس، 14 أغسطس 2014

المعتزلة و التكفير

بسم الله الرحمن الرحيم ؛ أما بعد :

فمن يعرف المعتزلة يعلم أنهم يلزمون مخالفيهم الكفر لأنهم خالفوهم في توحيدهم وعدلهم
فمخالفيهم في توحيدهم إما مشبهة أو مجسمة أو يلزمهم تعدد القدماء

فهذا (الصارم المعتزلي) يقول في أحد أجوبته : يا أشعري اتق الله ، أتقول أنها واجبة بالذات كالسنوسي (وهو إمام أشاعرة المغرب في وقته) أم بالغير ؟ ، فإن قلت بالذات جوّزت قيامها بنفسها بدون الله وهذا شرك ، فما ثم موجود قائم بذاته إلا الله تعالى
، وإن قلت بالغير كالإيجي (وهو إمام أشاعرة المشرق في وقته) جعلت الله مركباً.

وسئل : من أين جاءت فكرة تعدد الصفات يؤدي لتعدد الذوات اذكر لي مناسبة هذه العبارة المشتهرة لديكم ؟
- لأن مثبتي الصفات يقولون أن الصفة معنى "وجودي" .. "زائد على الذات" قائم فيها
ويقول : عند ابن تيمية الله مركب.

فالصفاتية (أي الأشاعرة والسلفية وغيرهم) عندهم بين الشرك أو التركيب
ومن خالفهم في عدلهم والقضاء والقدر صار جبريًّا ، فالصارم لما سئل عن الأشاعرة قال "هم جبرية" وفي أجوبته قال " ابن تيمية ينكر على الأشاعرة الجبر وهو جبري"

كذلك سُئل :
المعتزلة يقولون أن الإنسان يخلق أفعاله وهو من يجعلها محدثة، صحيح ؟
- نعم ، وما الإشكال ؟ أتظن أن الله يوجهك كروبوت ؟

فهو يرى التلازم بين من يقول أن الله هو خالق أفعال العباد وبين الجبر الذي عبر عنه بقوله بـ"يوجهك كروبوت"
والقول بأن الله هو خالق أفعال العباد هو قول الأشاعرة والسلفية ، فالدرير يقول في الخريدة الفعل ليس مخلوقا إلا لله وفي شرح الواسطية للهراس "قال أهل الحق أفعال العباد بها صاروا مطيعين وعصاة وهي مخلوقة لله"

والقاضي عبدالجبار المعتزلي يلزم من قال بقول الأشاعرة والسلفية بالكفر فهو يقول في شرح الأصول الخمسة ص771 :
"إذ قد عرفت ذلك وسألك سائل عن أفعال العباد أهي بقضاء الله تعالى وقدره أم لا ؟ كان الواجب في الجواب عنه أن تقول إن أردت بالقضاء والقدر الخلق فمعاذ الله من ذلك ، وكيف تكون أفعال العباد مخلوقه لله وهي موقوفة على قصورهم ودواعيهم"

ثم قال بعد ذلك :
"فلو كان أفعال العباد كلها بقضاء الله تعالى وقدره للزم الرضا بها أجمع وفيها الكفر والإلحاد ، والرضى بالكفر كفر"
فتبين من حيث الإجمال أن المعتزلة يُلزمون أكثر المسلمين (وهم الأشاعرة والسلفية) الكفر ، وليس ذلك فقط فالصارم يتمنى لـ أحد المغردين الذين ابتلوا بالغلو في التكفير أن يعتقل ويستباح دمه وماله ولما اُعترِض على كلامه قال :
"إي عادي أتمنى ، لكن ما أقول أنه كمرتد من دين الله وكافر في جهنم لأنها ليست ملك أبوي"

لكن يبدو أن المعتزلة كانوا يحسبون أن النار ملك لآبائهم فالصارم نفسه يقول : "جمهور المعتزلة في أن أصحاب الجمل كلهم في النار إلا عائشة وطلحة والزبير"

والآن أنقل أقوال الجشمي المعتزلي في مخالفي المعتزلة التي قالها في كتاب (رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس)

"جهاد أهل البدع -وهم المجبرة والمشبهة- فمن أهم الأمور وفرض على الجمهور" - ص9
"فلا فتنة أكبر من فتنتهم ولا ضلالة أعظم من ضلالتهم ، حيث شبهوا الله بخلقه وأضافوا القبيح إلى صنعه"
"وقد بلغنا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في ذم المبتدعة آثار جمة ، فقال -صلى الله عليه وسلم- من وقّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام"
"وقال لعائشة وقد سألته عن قول الله تعالى : (إن الذين فرقوا دينهم) من هم ؟ قال- صلى الله عليه وآله وسلم- هم أصحاب البدع من هذه الأمة ، يا عائشة ! لكل ذنب توبة إلا أصحاب البدع فإنه ليست لهم توبة ، أنا منهم بريء وهم من براء"

ويقول عن الصفاتية الذي قالوا (أن لله قدرة قديمة وعلم قديم وحياة قديمة) :
"هذا موافقة للمانوية في التثنية وللنصارى في التثليث ، وللطبائعية في قدم الطبائع الأربعة وللمنجمين في القول بقدم الكواب السبعة"
وقال عمن يثبون الصفات الخبرية كاليد والوجه وغيرها : "هذه عبادة الأوثان ونعوذ بالله من نزغات الشيطان"

ويقول عن ما قام به القلانسي و ابن كلاب ومن في طبقتهما (كالأشعري وغيره) من مجادلة المعتزلة : "وهل هذا إلا نصرة عباد الأصنام وهدم الإسلام"
ويقول عمن يؤمن بالرؤية (وهم أكثر المسلمين) : "الرؤية توجب التجسيم والتجسيم يوجب الحدوث"
ويقول عمن هم سلف المجبرة ومن ضمنهم أهل السنة : "أولهم الشيخ النجدي الذي ورّك الذنب على ربه ، والثاني مشركو قريش ... وإن شئت من المتكلمين فخذ إليك : حفص الفرد وبرغوث وضرار ويحيى بن كامل والقلانسي ومن الخلف ابن كلال وابن أبي بشر (أي أبو الحسن الأشعري) وابن كرام"
ويقول : "إن المجبرة حزب الشيطان وخصماء الرحمن"
ويحكي حكاية يقول فيها : "وذروا هؤلاء المجبرة فإنهم أعداء الله وأعداء رسوله" ونزل ، فتفرق الناس وهم يلعنون المجبرة.
ويقول : "فرق الخوارج والنجارية والأشعرية والكرامية والرافضة وهم أهل البدع ، فلم يبق إلا واحد وهم المعتزلة أصل الحق والدين"
ويقول : "أما الاشعرية والكلابية فأكثر كلامهم غير معقول ... قالوا : فعل العبد خلق لله كسب للعبد فإذ سئلوا عن ذلك لم يأتوا بمعقول ، وإنما فعلوا ذلك لأن غرضهم هدم الدين ومن قولهم أن مع الله قدماء تسعة وما أطلق احد قبلهم ذلك"
ويقول عن أحد أئمة الأشعرية : "ولقد أقر بالإسلام ولكن شرع في إبطاله فصلًا فصلًا ووافق جماعة من الكفار في أقوالهم"

ويحكي الجشمي حربًا بين الجن قامت بين المعتزلة و نواصب الشام ومشبهة أذربيجان ومجبرة أصفهان ومرجئة كرمان وخوارج سجستان وحنابلة هراة وخراسان وقرامطة عمان ورافضة قم وقاشان ومعهم جنود إبليس أجمعين ويصف هذه الحرب ويقول :
"وسوينا الصفوف وأشرعنا الرماح والسيوف وهم مرة يتلون (إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده) ومرة (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) ومرة (فقاتلوا أئمة الكفر)"

فمما تقدم من أقوال الجشمي نستطيع أن نفهم لمَ قال الصميري المعتزلي (كما يحكيه عنه القاضي عبدالجبار) أنه إذا غلب الجبر والتشبيه في دار فهي دار كفر.